السقوط الحر- أمريكا تطوّق الصين بحروب التجارة والممرات والممرات

المؤلف: جيرار ديب09.18.2025
السقوط الحر- أمريكا تطوّق الصين بحروب التجارة والممرات والممرات

في عالم الفيزياء، يُعرّف السقوط الحرّ طبقًا لمفاهيم نيوتن الكلاسيكية، أو نظرية النسبية العامة لآينشتاين، بأنه حركة الجسم بتسارع نحو مركز الأرض، تحت تأثير قوة الجاذبية الأرضية وحدها، دون تدخل أي قوى خارجية أخرى.

عندما نتأمل التدهور المتسارع في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، يتبادر إلى أذهاننا صورة السقوط الحر، حيث يبدو التصادم المباشر بينهما هو النتيجة الحتمية الوحيدة. فمع تصاعد وتيرة المناوشات بين البلدين، يتشبث كل طرف بموقفه، معتبرًا أن أفعاله ليست سوى ردود فعل ضرورية على استفزازات الطرف الآخر وسلوكياته السلبية، ويستعرض إمكاناته الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

لقد أطلقت الولايات المتحدة العنان لحرب ضروس، وجعلت جميع الوسائل مباحة، معتبرة أن حرب القنوات البحرية جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها لمواجهة التمدد الصيني، بالتوازي مع سياسة رفع الرسوم الجمركية التي استدعت تنديدًا صينيًا أمام منظمة التجارة العالمية. وترى واشنطن أن المواجهات البحرية ضرورية لمواجهة الصعود الصيني، وأن كل توتر دولي يمثل دافعًا إضافيًا لتصعيد المواجهة التجارية مع بكين.

في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة، تبنت واشنطن استراتيجية مماثلة لدعم تل أبيب لتحقيق أهدافها، وقدمت لها الدعم الدبلوماسي والعسكري اللازم.

لكن الهدف الأعمق لواشنطن من دعم إسرائيل هو إزالة أي تهديد عسكري في غزة، وذلك لتمهيد الطريق أمام مشروعها الرئيسي لمواجهة الممر الاقتصادي الصيني، عبر ربط غزة بالممر الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي، سعيًا لمنافسة طريق الحرير.

الرؤية الأميركية تجاه غزة تجسدت في الضغوط المكثفة التي مارستها أطراف مختلفة على حركة حماس، بهدف إجبارها على التخلي عن السلاح والانسحاب من المشهد السياسي في القطاع، وذلك تمهيدًا لإطلاق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، التي تتضمن البدء في إعادة الإعمار.

وتشير المعلومات المتاحة إلى وجود خطة يتم إعدادها في الدوائر الدبلوماسية لعدة دول، وتهدف إلى نزع سلاح القطاع كضمانة لوقف مخطط التهجير والبدء في إعادة الإعمار.

وقد لاقت فكرة تهجير سكان غزة ترحيبًا لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي رأى فيها فرصة لتخليد اسمه في التاريخ. ولكن إدارة ترامب تتبنى أهدافًا تتجاوز طموحات نتنياهو، وتركز على تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح.

ويرى البعض أن دعوة ترامب لتهجير سكان غزة هي أسلوب ضغط يهدف إلى تفكيك البنية العسكرية لحماس، ليس فقط لضمان أمن إسرائيل، بل أيضًا لحماية الممر الاقتصادي الهندي، الذي يرى في قناة بن غوريون بديلًا استراتيجيًا لقناة السويس لنقل البضائع من نيودلهي إلى أوروبا.

وقعت كل من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تحت رعاية أميركية، اتفاق الممر الاقتصادي الهندي في نيودلهي في 10 سبتمبر/أيلول 2023، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين آسيا والخليج العربي وأوروبا.

تقوم فكرة المشروع على تقليل التكاليف اللوجستية للنقل، وتعزيز فرص التنمية في المنطقة التي يغطيها. ويتألف المشروع من ممرين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بدول الخليج العربي، والممر الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا.

لكن الهدف المحوري للمشروع هو عرقلة المشروع الصيني الذي أطلقه الرئيس شي جين بينغ عام 2013 تحت اسم "الحزام والطريق"، بهدف جعل مدينة شنيغيان الصينية مركزًا للتجارة العالمية، عبر نقل البضائع من خلال قناة السويس إلى العمق الأوروبي.

لم يتوقف الحصار الأميركي على الصين عند محاولة تجفيف الملاحة في قناة السويس، بل أدرك أيضًا عمق التوسع الصيني. فبعد إعلان إيطاليا انسحابها من مبادرة "الحزام والطريق" خلال اجتماع قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، وهو ما شكل ضربة قوية للمشروع الصيني، أعلن الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو انسحاب بلاده من المبادرة الصينية في 6 فبراير/شباط الجاري، وذلك بعد أيام من استقباله وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي تسعى بلاده للحد من نفوذ بكين على قناة بنما.

تتجلى أهداف ترامب في محاصرة التهديد الصيني لبلاده، والذي يبدو أنه لم يعد له حدود. فدخول الشركات الصينية مثل "ديب سيك" في مجال الذكاء الاصطناعي، يوضح أن بكين لم تعد مجرد منافس لواشنطن، بل أصبحت تمثل تهديدًا للنظام العالمي الرأسمالي. ويرى بعض المراقبين أن ترامب قد بدأ الحرب مع الصين مبكرًا، من خلال تعيين مسؤولين في إدارته معروفين بعدائهم للصين.

نظرًا لتزايد الاهتمام الروسي والصيني بالقطب الشمالي، بهدف السيطرة على الممر القطبي المستقبلي الذي يوفر طرقًا تجارية أسرع وأقصر بين معظم الدول الصناعية، رأت الولايات المتحدة ضرورة لتعزيز نفوذها في المنطقة. ولذلك، لم يتردد ترامب في إعلان رغبته في "شراء" جزيرة غرينلاند، ليس فقط بسبب توفر المعادن فيها، بل أيضًا بسبب أهميتها الجيوسياسية في القطب الشمالي.

إن تطويق التنين الصيني في الممرات البحرية الدولية من قبل واشنطن هو خطوة ضرورية لتقويض فرص التصدير الصينية، إن لم يكن عرقلتها بشكل كامل. وقد أصبحت نوايا ترامب واضحة في هذا الصدد، وكأنه لم يكتفِ بحرب الممرات البحرية، بل يسعى أيضًا إلى خلق تهديد وشيك على حدود الصين، يتمثل في صعود الهند كقوة تجارية منافسة، ومركز للتواصل مع أوروبا عبر دول الخليج العربي.

ولذلك، لم يكن مفاجئًا إعلان الرئيس ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، بأن "بلاده ستبيع نيودلهي مقاتلات من طراز إف-35"، لتصبح الهند بذلك واحدة من الدول القليلة التي تمتلك هذه الطائرات المتطورة.

إن تسليح الهند وتحويلها إلى مركز للتجارة العالمية في منطقة جنوب آسيا، يندرج في سياق تضييق الخناق على الصين، التي تهدد في صعودها بأن تحل محل الولايات المتحدة كدولة محورية في العالم، وهو نفس النهج الذي اتبعته واشنطن بعد الحرب العالمية الأولى، عندما نقلت مركز الثقل الاقتصادي العالمي من لندن إلى نيويورك.

إنه السقوط الحر في العلاقات بين البلدين، ووفقًا لقوانين الفيزياء، فإن الصدام العسكري هو نتيجة حتمية بعد أن وصلت الحرب التجارية إلى مرحلة متقدمة. الأمر الذي دفع بالمراقبين إلى التساؤل: متى سيطلق التنين لهيبه في وجه المضايقات الأميركية؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة